كتب - شريف سمير :
تتفجر الأرض كل يوم تحت قدمي الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريتش، وهو يسير بثبات وإصرار وسط حقل ألغام من تصريحات وتعليقات القادة والمسئولين الإسرائيليين الذين يشنون حربا إعلامية ومعارك دبلوماسية على المسؤول الدولي الرفيع الذى يتبني القضية الفلسطينية منذ بداية الحرب فى غزة .. والتفت معظم مواقف وشهادات جوتيريتش حول هدف واحد وهو إدانة الانتهاكات الواضحة للقانون الدولي الإنساني في غزة، إيمانا وقناعة منه بأن أي طرف في الصراع المسلح ليس فوق القانون، ودعا كلاً من إسرائيل وحركة حماس إلى وقف إطلاق نار فوري.
** ميكروفون الحق!
وفى كل فرصة يلتقط جوتيريتش الميكروفون سواء فى مؤتمر صحفي أو جلسة دولية أو اجتماع قمة عالمي، لايتردد فى الإشادة بصبر ونضال الفلسطينيين من أجل حقوقهم المشروعة وحريتهم المسلوبة، بل ويحذر الأمين العام للأمم المتحدة من "العقاب الجماعي" للشعب الفلسطيني الذى يخضع ل "احتلال خانق على مدى 56 عاماً"، على حد تعبير جوتيتريتش، مشيراً إلى أن "هجوم حماس فى 7 أكتوبر لم يأت من فراغ، ودوافعه مفهومة".
** تل أبيب تشتعل
وأثارت تصريحات جوتيريتش الجريئة غضب الإسرائيليين، إذ خاطب وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، الأمين العام، بحدّة مذكّراً إياه بمقتل مدنيين إسرائيليين في الهجمات التي شنّتها حماس على إسرائيل، فيما دعا سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان، إلى استقالة جوتيتريتش، وكتب منشوراً على صفحته على منصة إكس، تويتر سابقاً، قال فيه إن الأمين العام للأمم المتحدة الذي "أبدى تفهّماً للإرهاب والقتل" لا يصلح لقيادة المنظمة الدولية .. فضلا عن سيل من الانتقادات فى تل أبيب طاردت جوتيريتش وهددت وجوده وأحيانا حياته، ولم تمنعه من الذهاب إلى العريش وتكرار نفس التصريحات وإعلان موقفه الرسمي الرافض نهائيا لممارسات الاحتلال الإسرائيلي واستمرار تصعيد العدوان الوحشي اليومي على الأبرياء الفلسطنيين من الأطفال والنساء والشيوخ.
** من عالم فيزياء إلى دبلوماسي أنيق
وتولى جوتيريتش منصب الأمم المتحدة يناير 2017، خلفاً لسلفه الكوري الجنوبي بان كي مون، بمرجعية باحث علمي
درس الفيزياء والهندسة الكهربائية في المعهد العالي للتكنولوجيا التابع لجامعة لشبونة، وتولى التدريس فيه برتبة أستاذ مساعد بعد تخرجه.
وانتقل جوتيريتش (74 عاماً) الذي يتحدث عدة لغات (البرتغالية والإنجليزية والاسبانية والفرنسية) إلى الدبلوماسية الدولية، عندما أصبح مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين من عام 2005 إلى 2015، وهي الفترة التي شهدت أخطر أزمات اللاجئين في العالم، مثل أزمات لاجئي سوريا والعراق وأفغانستان.
وبعد قضاء 3 سنوات من التدريس في المعهد العالي للتكنولوجيا التابع لجامعة لشبونة، خلع بالطو العالم وتخلى عن ميكروسكوب المعامل، وارتدي سترة الدبلوماسية الأنيقة ليلتحق بحلبة السياسة بعد انتسابه إلى صفوف الحزب الاشتراكي البرتغالي في عام 1974 .. وخلال إدارته لمفوضية اللاجئين، تضاءل عدد العاملين في المكتب الرئيسي في جنيف، بينما زاد عددهم في مناطق التوترات والنزعات، مما ساهم في تحسين أداء المنظمة.
** قضايا اللاجئين
وتوجه خلال فترة إدارته أكثر من مرة إلى الدول الأكثر ثراء، مناشداً إياها بعمل المزيد من أجل مساعدة اللاجئين الذين يفرون من مناطق النزاعات، وأدت الصراعات في سوريا والعراق، والأزمات في جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى واليمن، إلى زيادة كبيرة في أنشطة المفوضية إذ ارتفع عدد النازحين واللاجئين بسبب الصراعات والاضطهاد والحروب من 38 مليون في عام 2005 إلى 110 مليون نازح ولاجئ في مايو 2023.
** أسلاك "الأمم المتحدة" الكهربائية!
وقبل انضمامه إلى المفوضية، أمضى جوتيريتش أكثر من 20 عاماً في العمل الحكومي والخدمة العامة في مسقط رأسه، وشغل منصب رئيس وزراء البرتغال من عام 1995 إلى عام 2002، وخلال هذه الفترة شارك بشكل كبير في الجهود الدولية لحل أزمة تيمور الشرقية .. وصنع سيرة ذاتية مشرفة ومرصعة بالإنجازات والإسهامات الإنسانية أبرزها
تأسيس مجلس اللاجئين البرتغالي وجمعية المستهلكين البرتغاليين، وشغل منصب رئيس مركز العمل الاجتماعي الجامعي، وهي جمعية كانت تنفذ مشاريع التنمية الاجتماعية في الأحياء الفقيرة في لشبونة، في أوائل السبعينيات .. إلى أن انتهي به المطاف إلى محطة الأمم المتحدة ومواجهة عواصف ورياح القوى العظمى العاتية، ويصطدم المهندس الكهربائى بأسلاك كهربائية تصعق كل من يحاول حماية الأعراف والقوانين الدولية من التحطيم والدمار!.